القصد الجنائي المحدود :
يقصد بالقصد الجنائي المحدود أو المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى إحداث نتيجة معينة و عقد العزم على ذلك : أن تدبر موضوع الجريمة . و مثاله أن يطلق الجاني النار على شخص معين يقصد قتله. ففي هذا المثال تحدد موضوع الجريمة ، و بالتالي تحدد قصد الجاني .
ثانيا : القصد الجنائي غير المحدود .
يقصد بالقصد الجنائي غير المحدود أو غير المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريم
غير مبال بما تحدثه من نتائج ‘ فالجاني يقبل سلف أن تقع أية نتيجة يرتبها نشاطه الإجرامي . و مثاله أن يطلق الجاني النار على تجمع من النّاس يقصد أن يقتل منهم أي عدد ممكن ، و دون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من النّاس سيقتل ، أي دون تحديد لموضوع الجريمة ، و بالتالي يكون قصد الجاني غير محدد.
و يلاحظ أنّ القصد الجنائي المحدد و القصد الجنائي غير المحدود لا فرق بينهما من حيث تقرير المسؤولية الجنائية ، و النتيجة في كليهما واحدة في نظر القانون ، و لذلك يرى بعض الفقه أنّ التفرقة بين هذين النوعين من القصد الجنائي هي تفرقة شكلية لا قانونية .
و يلاحظ أيضا أنّ القصد الجنائي المحدود و القصد الجنائي غير المحدود صورتان للقصد الجنائي العام ، ولا صلة لهما بالقصد الجنائي غير المباشر ، و هما صورتان لا تكونا إلاّ في الجرائم العمدية.
ب ـ الخطأ غير العمدي :
يعتبر الخطأ غير العمدي صورة من صورتي الركن المعنوي للجريمة . فقد تكون الجريمة عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي ، وقد تكون الجريمة غير عمدية تقوم على مجرد توافر الخطأ .
و يقصد بالخطأ غير العمدي التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية . و قد يقع الخطأ غير العمدي باعتباره يكون الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية ، قد يقع بفعلي سلبي و قد يقع بفعل إيجابي .
و مثال الخطأ الذي يقع بفعل سلبي أن يكون هناك التزام قانون أو تعاقدي ، و أن يقع الإخلال بهذا الالتزام نتيجة خطأ أو إهمال ، كما في حالة الممرضة التي هي ملزمة بمراعاة المريض و إعطائهم الدواء في المواعيد التي يحددها الطبيب ، و تمتنع عن الخطأ أو إهمال القيام بالتزاماتها التعاقدية هاته و يترتب على ذلك تفاقم حالة المريض أو وفاته .
ـ و مثال الخطأ الذي يقع بفعل إيجابي قيادة سيارة بسرعة مفرط فيها ، و أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المارة .
و للخطأ غير العمدي باعتباره الركن المعنوي في الجرائم العمدية أركان و صور لفرضها فيما يلي:
أولا : عناصر الخطأ غير العمدي :
يستفاد من تعريف الخطأ غير العمدي بالتصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية ، أنّ الخطأ لا يقوم إلاّ بتوافر عنصرين ، و هما :
ـ العنصر الأول : الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر .
يفترض القانون أنّ الحياة الاجتماعية تقتضي أن يتوخى الفرد في تصرفاته الحيطة و الحذر ، بأن يأتي عملا أو يقوم بسلوك مقضي لنتيجة إجرامية ، و يتولى القانون عادة بيان حدود هذا العمل أو السلوك التي يتوجب مراعاتها . وقد لا يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد مراعاته في حياته اليومية . و لذلك يثار التساؤل عن المعيار المعول عليه لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.
فقد يكتفي القانون بالإشارة إلى الواقعة المجرمة بفعل الإهمال ، أو عدم الحيطة أو عدم الانتباه ، دون بيان للتصرفات التي تعد إهمالا أو تنطوي على عدم الحيطة ، و متى لا يعتبر كذلك . الأمر الذي فتح المجال لاجتهاد الفقه الذي تبنى بعضهم المعيار الشخصي و يتبنى لبعض الأخر المعيار الموضوعي ، نعرضهما فيما يلي ببعض من التفصيل .
* المعيار الشخصي :
يرى أنصار هذا المعيار أنه يجب أن ينظر إلى الشخص المنسوب إليه الخطأ و إلى ظروفه الخاصة ‘ فإذا تبين أنّ سلوك الشخص المفضي للجريمة كان من الممكن تفاديه بالنظر إلى صفاته و ظروفه عرّ مخطئا . ذلك أنه لا يمكن أن يطالب شخص بقدر من الحيطة و الذكاء يفوق ما تحتمله ظروفه الاجتماعية و في حدود ثقافته و سنه و حيويته .
* المعيار الموضوعي :
يرى أنصار هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المعتبر مخطئا و بين ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الحيطة لا يمكن أن يقع فيما وقع فيه الجاني ، عد هذا الأخير مهملا أو مخطئا و يسأل جنائيا.
و يميل الرأي الغالب في الفقه إلى الأخر بالمعيار الموضوعي لتقدير توافر الخطأ الواجب للمسؤولية الجنائية مع مراعاة الظروف الشخصية للجاني في تقدير الجزاء العادل.