أطوار الأهلية وعوارضها وأحكام الولاية على المال في ضوء التقنين المدني

We are Concerned with any Types of Laws (Personal Injury Law,Admiralty Law,Aviation Law,Bankruptcy Law,Civil Rights Law,Consumer Rights Law,Corporate Law,Criminal Law,Education Law,Elder Law,Employment Law,Entertainment Law,Family Law,Immigration Law,Intellectual Property Law,Labor Law,Military Law,Product Liability Law,Real Estate Law,Taxation Law, Procedures Law)

قلنا أن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص بأن يقوم بالأعمال القانونية بنفسه ولصالحه أما الولاية فهي صلاحية الشخص لأن يقوم بالأعمال القانونية بنفسه وكن لمصلحة الغير.

فما يترتب على التصرف من حقوق والتزامات إنما يتحملها المتصرف أو الشخص ذاته وذلك في حالة أهلية الأداء، أما في حالة الولاية فإن آثار التصرف القانوني الذي يقوم به الشخص إنما تنصرف إلى ذمة الغير.

فالولي على القاصر عندما يباشر تصرفاً قانونياً عن هذا الأخير، تنصرف آثاره إلى ذمة القاصر لا إلى ذمته هو.

ويجب أن نلاحظ أن القواعد المنظمة للأهلية تعتبر من النظام العام سواء من حيث تحديد من يعتبر ناقص الأهلية أو كاملها أو فاقدها وسلطة الأولياء على مال هؤلاء الأشخاص ، ولذلك لا يجوز الاتفاق على ما يخالف ما وضعه المشرع من أحكام بهذا الخصوص .

.. أطوار الأهلية ..

تتدرج أهلية الأداء مع السن ، حيث يمر الإنسان منذ ولادته بثلاثة مراحل بين انعدام الأهلية واكتمالها .

· مرحلة يكون فيها الشخص غير مميز .. عديم الأهلية.

· مرحلة يكون فيها ناقص التمييز .. ناقص الأهلية.

· مرحلة يكتمل فيها تمييزه ببلوغه سن الرشد .. كامل الأهلية.

وسوف نتناول كل مرحلة من هذه المراحل تباعاً وفي مطلب مستقل على النحو التالي: ـ

.. المطلب الأول ..

المرحلة الأولى... الصبي غير المميز :ـ

تبدأ هذه المرحلة بميلاد الشخص حياً وتنتهي ببلوغه السابعة من عمره، وفيها يكون الصبي عديم التمييز أي عديم الأهلية، له أهلية وجوب كاملة وليست له أهلية أداء مطلقاً ، وبناء عليه لا يستطيع هذا الصبي أن يقوم بأي عمل من الأعمال القانونية بنفسه، وأي تصرف يجريه يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، أي هو والعدم سواء ، ويستوي في هذا أن يكون التصرف الذي يجريه نافعاً نفعاً محضاً أو ضاراً ضرراً محضاً أو دائر بين النفع والضرر ، وفي هذه الحالة يكون من حق الصغير ومن حق كل ذي مصلحة أن يطالب ببطلان هذا التصرف ، وللقاضي أن يقضي بالبطلان من تلقاء نفسه ، ولا يلحق هذا التصرف إجازة مطلقا، سواء من الصغير ، بعد بلوغه سن الرشد ، أو من وليه .

كذلك لا يصح الوفاء الحاصل للصبي غير المميز من مدينه ، ويرتب الفقه على ذلك أنه إذا سلم البائع المبيع إلى الطفل غير المميز كان وفاءً باطلاً فإذا هلك في يده ، كان الهلاك على البائع شأنه شأن الهلاك الذي يقع قبل التسليم ([1]) ، كذلك إذا غصب مال الطفل المميز غاصب ثم رده للطفل فهلك في يده ، عٌد الغاصب ضامناً قيمة المال لأن تسليم الغاصب مال الطفل إليه يعد تسليم باطل([2]).

ولا يقبل إثبات أن الصغير قد أدرك التمييز، رغم عدم بلوغه السابعة، وذلك بهدف تصحيح بعض أعماله، لأن انعدام التمييز فبل بلوغ هذه السن يٌعد قرينة لا تقبل إثبات العكس.

.. المطلب الثاني ..

* المرحلة الثانية ... الصبي المميز:ـ

تبدأ هذه المرحلة ببلوغ الصبي السابعة من عمره حتى بلوغ سن الرشد، ويعد الصبي في هذه المرحلة ناقص التمييز فهو لذلك ناقص الأهلية لأن التمييز هو مناط الأهلية ومعيارها.

أما عن حكم التصرفات التي يجريها الصبي في هذه المرحلة فإنه يجب التفرقة بين ثلاث أنواع منها.

(أ‌) التصرفات النافعة نفعاً محضاً:ـ

كقبول هبة غير مشروطة، ويترتب عليها ثبوت الحقوق دون التحمل بأي التزام فهي تزيد من الأموال أو تنقص من الديون دون أن يتحمل الصبي في مقابل ذلك شيء.

وتقع هذه التصرفات من الصبي المميز صحيحة بلا حاجة إلى موافقة القائم على أمره، فهو بالنسبة لهذه التصرفات كامل الأهلية.

(ب‌) التصرفات الضارة ضرراً محضاً :

يترتب عليها تحمل الالتزامات دون اكتساب حقوق كالهبة، أو سقوط حق في ذمة الغير دون مقابل، وتقع كل هذه التصرفات باطلة بطلاناً مطلقاً، لا يترتب عليها أي أثر فهو بالنسبة لهذه التصرفات عديم الأهلية.

(ت‌) التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع :

وفيها يحصل كلا الطرفين على مقابل لما أعطى، كالبيع والشراء والتأمين، ويعد التصرف كذلك حسب طبيعته بغض النظر عن نتيجة التصرف التي قد تكون جلبت ربحاً للقاصر.

وتقع هذه التصرفات قابلة للبطلان لمصلحة القاصر ، فله المطالبة ببطلان التصرف عند بلوغه سن الرشد ، على أن يرد ما تلقاه من عقد في حدود ما عاد عليه من نفع ، فإذا لم يكن قد أفاد شيئاً ، كأن يكون قد أنفق ما تلقاه من غير جدوى أو أشياء غير مشروعة ، فلا يلزم بالرد .

ومعنى قابلية التصرف للبطلان في هذه الحالة، أنه ينتج كل آثاره كالتصرف الصحيح تماماً حتى يقضى ببطلانه بواسطة القضاء بناءً على طلب القاصر بعد بلوغه أو طلب وليه.

ويسقط الحق في طلب بطلان هذا التصرف بالإجازة سواء من القاصر بعد بلوغه أو من الولي أو من المحكمة حسب الأحوال.

قلنا انه يترتب على الحكم ببطلان التصرف الذي صدر من ناقص الأهلية أن يزول أثر التصرف ليس بالنسبة للمستقبل فقط بل بالنسبة للماضي أيضاً بأثر رجعي ، فيسترد القاصر ما دفعه ولكن المتعاقد الآخر لا يسترد ما قبضه من ناقص الأهلية إلا بمقدار ما عاد عليه من نفع من تنفيذ العقد ، فإذا لم يكن قد عاد على ناقص الأهلية أي نفع لا يرجع عليه الآخر بشيء ، إلا أن هذه النتيجة قد تغري القاصر بأن يستعمل طرقاً احتيالية لإخفاء نقص أهليته ، حتى يصل إلى إبرام تصرفات سرعان ما يطالب بإبطالها إذا ما بلغ رشده ، إلا انه يلاحظ أن القاصر قد ارتكب تدليساً في هذه الحالة ، وهو فعل غير مشروع يستوجب التعويض استنادا إلى قواعد المسئولية التقصيرية .

فالمطالبة ببطلان التصرف من قبل القاصر لن يحول دون إمكان الحكم عليه بتعويض المتعاقد معه إعمالا لقواعد المسئولية التقصيرية التي يكفي لإعمالها أن يكون الشخص مميزاً ([3]) .

ولقد أحسن المشرع المصري صنعاً عندما نص في المادة 119 من القانون المدني علي انه : ـ

" يجوز لناقص الأهلية أن يطلب إبطال العقد ، وهذا مع عدم الإخلال بالتزامه بالتعويض إذا لجأ إلى طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ، وبناءً عليه إذا لجأ القاصر إلى طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ، فإن لمن تعاقد معه أن يطالبه بالتعويض عن هذا العمل غير المشروع ، وقد يرى القاضي أن خير وسيلة لتعويض المضرور في هذه الحالة ، هي الإبقاء على العقد وإلزام ناقص الأهلية بتنفيذه ([4]) .

حالات يعتبر فيها القاصر كامل الأهلية استثناء:

يظل القاصر ناقص الأهلية إلى أن يبلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة بالنسبة لكل المصريين ذكوراً وإناثاً مسلمين وغير مسلمين فإذا بلغ الصبي هذه السن رشيداً عد كامل الأهلية.

إلا أن المشرع قد خرج على هذه القاعدة على سبيل الاستثناء ، حيث أجاز للقاصر عموماً أو ذلك الذي بلغ سناً معينة أن يباشر ، رغم قصره ، بعض الأعمال القانونية التي تعتبر دائرة بين النفع والضرر أجاز في حالات أخري للمحكمة أو الولي أن يأذن للقاصر بمباشرة بعض هذه الأعمال ، وسوف نتناول هاتين الحالتين تباعاً .



[1] مصطفى الزرقا " الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد " فقرة 421 ص754 .

[2] مصطفى الزرقا المرجع السابق نفس الموضع . وتساءل الفقه عن حكم ما يقع في يد الصغير من المباحات أو حكم ما إذا عثر على كنز ، فهل يملك ما تقع عليه يده ؟؟

ذهب بعض الفقهاء من رجال الفقه الإسلامي إلى أن الطفل لا يمتلك شيئاً من ذلك ، مصطفي الزرقا المرجع السابق فقرة 431 ص 747 .

ولم يستطع بعض الفقه أن يخفي دهشته من هذا القول ( عبد الحي حجازي المرجع السابق فقرة 460ص431 ) إذ أن القول يؤدي إلى نتيجة يصعب التسليم بها ، حيث يحل لكل إنسان أخذ ما وقعت عليه يد الصغير دون حساب ، فينقلب نظام أهلية الأداء الذي شرع لحماية مصلحة الصغير وبالا عليه ويرى الفقه القانوني انه في هذا المقام يبلغ " التجافي أشده بين فقه النظر وفقه المصالح " عبد الحي حجازي المرجع السابق نفس الموضع . ويرى هذا الفقه أن يقتصر الحجر الناتج عن عدم الأهلية على الأقوال دون الأفعال وأن " ترتب الملكية على الاستيلاء الحقيقي لا يحتاج إلى قصد ولا يشترط في تمامه نية التملك ولذا يعتبر من كل يفعله ولو كان غير أهل للإلزام. وابتني على ذلك أن المجنون والصغير الذي لا يميز إذا تناول كل منهما مالاً مباحاً تملكه ". الشيخ علي الخفيف " أحكام المعاملات الشرعية " ص 80.

ولا يسأل الصبي غير المميز مسئولية جنائية لانتفاء مناط هذه المسئولية وهو العقل ففعل الصغير في هذه الحالة يشبه فعل الحيوانات على أن هذا لا يمنع من إمكان مساءلة الصغير في ماله عما يحيقه بالغير من أضرار ، والمساءلة في هذه الحالة لا تقوم على أساس الخطأ إذ لا خطأ بدون تمييز .

[3] " يكون الشخص مسئولاً عن أعماله غير المشروعة متى صدرت منه وهو مميز " م 164 من القانون المدني .

[4] والمقابل للحالة السابقة أن يكون المتعاقد مع القاصر يعلم أنه قاصر ورغم هذا يقوم بتسليم المال المتعاقد عليه فيتلف الصغير هذا المال والسؤال الذي يطرح في هذه الحالة هو هل يضمن الصغير هذا التلف ؟؟

في الفقه الإسلامي رأى بأن يضمن الصغير استنادا إلى قواعد المسئولية التقصيرية التي يكفي لقيامها مجرد التمييز خاصة وأن العقد قد أبطل ( أبو يوسف من الأحناف ) .

والرأي الآخر عدم تضمين القاصر لأن الإتلاف كان بتسليط من المالك ( المتعاقد مع القاصر ) فالإتلاف من جانب الصبي المميز غير معتبر (رأي أبو حنيفة ومحمد ) .

أنظر في استعراض هذه الآراء مصطفى الزرقا " الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد) فقرة 438 ص 770 .

ويؤسس الرأي الثاني من وجهة النظر المدنية على أن الصبي المميز قد أخطأ ، فوجب أن يتحمل وحده ما حاق به من ضرر ، أنظر في هذا التأصيل عبد الحي حجازي المرجع السابق فقرة 469 ص 412 .